Nuances : فُوَيْرقات : المساندة المشروطة بالعمالة المفضوحة
ما لا يعلمه إلا القليل من الملاحظين و لم ينتبه له إلا من واكب الأحداث عن قرب غداة انقلاب السابع من نوفمبر هو أن النظام السعودي و بلدان الخليج بصفة عامة حاولت استغلال فرصة صعود بن علي إلى السلطة للمس من مكتسبات تونس البورقيبية. و لقد حضرت شخصيا، يوم الأحد ٨ نوفمبر١٩٨٧ إلى جانب الوزير الأول ، الندوة الصحفية التي وقع تنظيمها بالدار المغربية بقرطاج بحضور مراسلي وسائل الإعلام العالمية و استمعت للسيد الهادي البكوش يرد على سؤال وجهه له مراسل وكالة الأنباء الكويتية. وفحوى السؤال تمثل في ابتغاء التعرف عما تنوي السلطة الجديدة فعله بمجلة الأحوال الشخصية و كان رد الوزير الأول، خلافا لما عرف به السفير السابق بالجزائر من حذق للخطاب الدبلوماسي، مشحونا بشيء من التحدي و كان كالآتي : « نحن عادة في تونس نتحاشى تصدير أفكارنا السياسية و لكن فيما يخص مجلة الأحوال الشخصية نحن نرى أنه يحق لنا تصديرها ».
ومن المعروف أنه إثر الزيارة التي قام بها بن علي إلى السعودية وقع التفكير في إعداد زيارة يقوم بها الملك السعودي إلى تونس. و يبدو أنها لم تتم لأن خادم الحرمين الشريفين اشترط لتلبية الدعوة أن « تبشره » السلطة الجديدة و تكرمه بقرار التخلي عن مجلة الأحوال الشخصية و هو ما رفضه أصحاب القرار الجدد آنذاك.
والغاية من تذكيري بهذه الحيثيات هو وضع ما نشاهده اليوم من محاولات عنيدة و مراوغة تقوم بها السعودية و قطر، كل لحسابه الخاص، تتمثل في الضغط على عملائهم المتمكنين بالسلطة اليوم لكي يتخلوا عن مكاسب تونس البورقيبية و أهمها مجلة الأحوال الشخصية. وهو ما يفسر تمسك حكومة النهضة الانتقالية بالتنكر الكامل لبورقيبه على مستوى صياغة الدستور الجديد حتى لا يتخلى عنهم نهائيا حماتهم من أنظمة الخليج المتخلفة. و ما يمكن ملاحظته من ارتباك في صفوفهم و من تهديد معلن لنسف السلم المدنية بالبلاد بالعودة إلى ممارسة العنف السلفي يدل على شعور النهضة بأن مسانديهم الخليجيين بدأوا ايشكون في قدرتهم الفعلية على تلبية مطالبهم في التخلي عن مجلة الأحوال الشخصية.
Répondre