مسرحة الروهة في كتاب الروهة لعبد الحليم المسعودي
. قرأت الكتاب مرة أولى . قرأته دون توقف و قد شدني إليه حب الإطلاع العاجل على محتواه بدءا بعنوانه الذي أحالني على خلفية دينية تتصل بالنص القرآني و ما يشاع من تشابه بعض آياته بمقاطع من خامس الكتب التي يتألف منهاالتراث الادبي- الديني للصابئه وهو كتاب « كنزاربّا » (الكننز العظيم) وفيه ذكر للروههة التي إقتبسها المسعودي عنوانا لمسرحيته : « وسيظل النور والظلام يتصارعان ، منذ أن نزلت الروهة الشوهاء الى الأرض حاملة معها كل ما يطفيء الضياء ». وهو قول يجعل النور سابقا للظلمة. و من مقاومتها واجبا مقدسا يتمثل في مصارعة الظلمة والعود بالوجود الأرضي إلى نورانية البدء. وبقيت أرصد طوال هاته القراءة االأولى تطور ما يحدث وفهمت أن المسعودي لم « يلتزم » في حبكة سرده بأي نوع من الفكر المؤدلج بالرغم مما قد تحيل عليه الروهة من واجب المقاومة. فالروهة في مقام هذا االنص تعلّم و توشم الزمن الراهن وتجعل منه زمن الروهة. و كأني بالكاتب أوثق سرده في موقف رواقي لا إلتزام فيه إلا لما تمليه عليه شروط صناعة النثر و االشعر والتعبير بمادة اللغة في بعدها الإنساني والتي بقدر ما تتجذر في الوجدان الفردي والجماعي للشعوب الحية بقدر ما تكون مجالا مفتوحا على آفاق الأُخَر بدون اعتبار للماقبل وللمابعد . فالروهة هنا إسم علم وعنوان لعمل فني تحمل في مغناها صدى للآرامية وهوالذي يربط لغة القرآن بلغة كنزا ربّا بالإحالة السمعية و الخطية على جذعهما اللمشترك . و بصفتها تلك قد لا تدل في فضاء هذا النص على معنى الظلمة والظلام و ما قد يشتق منهما من إحالت إيديولوجية مباشرة على الظلامية و الظلاميين لأن مغناها أوقع في السمع من معناها و وقع الكلمة لصيق بشكلها الصوتي أو الخطي ( بالنسبة للفنون البصرية ) وهو غير قابل للترجمة لأن مغناه الخصوصي ليس بحاجة للترجمة مثل الحرف عندما نسميه ألفٌ أو هاءٌ ونخرجه من سياق إستعماله في فضاء الكلمات. وهو ما تؤكده « حروفية » الصوفي اليهودي أبراهام أأبو العافية في كتابه « دليل الحائرين » حيث يوصي السالك باستعمال الأحرف العبرية بترتيبها بطريقة عشوائية تجعل القارئ-الكاتب يتكشف على اللغة الأم لغة كل الأمم وبحضرة « قدس الأقداس » le Saint des Saints »
ويبدو لي و أن المسعودي تمكن من بعث حال ملحمي »روهوي » أشبع به نصه و زمكان مسرحه. والمغارة التي يتمسرح داخلها الحدث (وهو ليس مفرد أحداث) ليست مغارة سيدي بلحسن ولا مغارة الشيخ االمدني بقصيببة االمديوني وليست فضاء اللكوميديا الإلاهية لدانتي أليڤييرري ولا مغارة إفلاطون المحيلة على الفكر الميتافزيقي الغربي ما قبل هيدڤير… وما بعده. لأن الفكر المتافزيقي الغربي السائد فيما نعرفه في واقعه الفرنسي مثيل الثعبان في المثل الشعبي التونسي إلي » تقتلو اليوم و غدوا يصبح حي » .وهو شبيه بالملء اليومي لفضاء الجرائد اليومية كنا نتفكه به كصحفيين في يومية لاكسيون لمؤسسها الحبيب بورڤيبة . فمغارة المسعودي ليست فقط فضاء حفرة هاوية تلقى فيها جثامين موتى لم يحظوا بما كرم به قابيل شقيقه هابيل بعد أن قام بقتله. وحرمان القتيل من الدفن حالة درامية صيغت في شكلها الرمزي في الفضاء المسرحي اليوناني المؤسس من خلال رائعة أنتڤون لسفوكليس . فالمغارة المروهووة هي أيضا إحالة على زمكان البدء. لا زمن ما قبل التاريخ . زمن إنسان الكهوف الذي أريد للعراق أن يرجع إليه إثر الإجتياح … و لا زمن السبعة رڤود من أهل الكهف بشنني تطاوين و كلبهم السلوڤي… بل بدء تأويل الإنسان للغز الوجود و إنتاجه للترميز الديني المؤسس لكل الأديان التوحيدية في بلاد الرافدين بالموازاة لما جاء به الفرعون الشاب أخناتون المقتول على يد كهنة معابد مصر النيل وهو ثالث النهرين .
و مغارة الروهة بما يسمع فيها من أصوات حيتان المياه العميقة والآسنة في نفس الآن تسترق السمع لمن هو قادر على استراقه من بين أمراء الإبداع مثل الموسيقي « أميــر » الذي يخاطب « كجّه مجّه » قائلا : « هل تسمع ما أسمع » و كأني به يذكر بأنه من بني إسمع ئيل، سميع الله و هو أول إبني إبراهيم الأوري أصيل العراق و لا علاقة له بالمسمى عزت إبراهيم الدوري المعروف لدى العروبيين من أهل البعث.
و مسرح الروهة زمكان مزدوج برزخي رغم سقوطه المستمر في أسفل السافلين و الذي يطمئن فيه الترمدة عبد « الحي العظيم » أمير بقوله : » الكل يأمل في سُلم يحمله من الأسفل إلى الأعلى. الأسفل والأعلى مجرد إرتسامات في أذهان الفنانين..ليس ثمة من وجهة إلا الشَّمال…….
و عدت ثانية إلى قراءة كتاب الروهة لعبد الحليم المسعودي قدس الله سره
ولقولي بقية ( يتبع ووعد الحر دين ) ».
أكوده في 12 جانفي أينار من السنة الثامنة للثورة
Répondre