التكالب على السلطة أضعف الأحزاب و جعلها غير قادرة على القيام بدورها فحرمت السلطة التنفيذية برئيسيها من التفاعل الناضج مع الواقع السياسي الموضوعي الذي تمر به البلاد وهو تفاعل تضطلع به السلطة التشريعية بممارسة مهامها في المراقبة و المسانده و المعارضة المسؤوله. و ضعف الأحزاب تسبب في شلل السلطة التشريعيه و أبعدها عن خصوصية سلطتها و جعل من النواب فيما عدى القليل منهم مصابين بداء التكالب على السلطة التنفيذيه أو محولين لمواقعهم بالسلطة التشريعية إلى مواقع نفوذ تستغل في الحصول اللاشرعي على امتيازات مادية تساهم في تنميط الفساد كسلوك إجتماعي و سياسي عادي.
وهو ما أجبر رئيس الدولة على استثمار شرعيته التمثيلية و الموازية للشرعية التمثيلية لنواب الشعب المتخلين عن دورهم الخصوصي على تعويض فراغ السلطة التشريعية باللجوء إلى تنظيم حوارات بين الأحزاب و المنظمات الوطنية الفاعلة حتى يساعد السلطة التنفيذية على التسيير الناجع لشؤون البلاد. و كأني بمجلس نواب الشعب اليوم مصاب بنفس الشلل الذي أصيب به المجلس التأسيسي الثاني. و قد تمكن الباجي وهو في المعارضه من تحييد المجلس التأسيسي و تعويضه بمفهوم التوافق الذي نتج عنه إعطاء صلاحيات المجلس التأسيسي المشلول للرباعي المتحصل على جائزة نوبل للسلام.
و منذ الأيام الأولى التي تلت الإنتخابات التشريعية والرئاسية قام الباجي بمحاولة التخفيض من حدة التكالب على السلطة التنفيذية الذي ظهرت ملامحه عندما بدأ النواب المنتخبون يعتبرون أشخاصهم أكثر شرعية من أحزابهم التي لم تقم بعد بمؤتمراتها و بدأوا يخرجون عن الإنضباط الحزبي . و هاته المحاولة تمثلت في دعوة نواب الحزب المتحصل على الأغلبية النسبية أن يكتفوا بالتركيز على دورهم التشريعي و كانت بداية نهاية نداء تونس. و لم يجد رئيس الدولة بدا من مواصلة اللجوء لسياسة الوفاق بعد أن تخلت الأحزاب المتواجدة بمجلس نواب الشعب عن دورها في السلطة التشريعية
لكن اللجوء لسياسة الوفاق كان بطبيعة الأمر خيارا إشكاليا. فبقدر ما سمح للسلطة التنفيذية بأن تضطلع بدورها الضروري في سوس شؤون البلاد بقدر ما حرمها من الدور المكمل لسلطتها التنفيذية و هو دور السلطة التشريعية مما تسبب في ضعف هيكلي سياسي لحكومة تستمد قوتها من شرعية رئيس الجمهورية المنتخب لا من تمثيلية النواب الذين انتخبوها شكلا ليس له مضمون تضامني مسؤول.
وضعف الحكومة الموضوعي واكبه في نفس الآن ضعف كل المؤسسات السياسية منها والإجتماعية ذات التقاليد السياسية المترسخة في النضال الوطني. و القول بأن ضعف الحكومة قابله تغول مفترض لإتحاد الشغل الذي صار حسب التحاليل السطحية يعزل الوزراء هو قول غير صحيح. ذلك أن هاته الفرضية لا تأخذ في الحسبان أن المنظمة العمالية تستمد قوتها من انظباط مختلف تنظيماتها و تفريعاتها القطاعية و الجهوية و من الديمقراطية الداخلية التي دأبت على اتباعها في تعيين مختلف هيئات تسييرها. و من الواضح أن إقالة ناجي جلول لا تحيل على ضعف الحكومة أمام إتحاد الشغل بل على ضعف موضوعي في قدرة المنظمه على فرض الإنظباط النقابي على بعض النقابات المنفلته و التي وقع احتواؤها من طرف حزب لم يعدل بعد عن العمل السياسي الموازي و الخفي و لم يتخل قط عن برامجه ذات الصبغة التأمرية التي تأسس عليها وهو حزب خرج من الحكم على مضض و قبل أن يُبقي على مشاركة رمزية فيه على مضض و درأ مما يستشعره قادته من خطر عودتهم للسجون لما قاموا به من إجرام موضوعي في حق البلاد و العباد. و النهضة من وجهة النظر هذه تستمد مناعتها و ليس قوتها من استقالة الأحزاب بانغماسها في التكالب على السلطة وليس مما يروجه البعض من تحالف الباحي مع الغنوشي.
فإقالة وزير التربيه دون عدول الحكومة عن مواصلة برنامجها المتثل فيما قام بإنجازه باسمها ناجي جلول يمكن تأويله كموقف تضامني من طرف يوسف الشاهد لتقوية موقع المسؤولين الجدد المسيرين لإتحاد الشغل و تمكينهم من اتخاذ مواقف أكثر حزما تجاه النقابات المنفلته.لأن قوة الدولة و هيبتها لا تتمثل في هيبة السلطة التنفيذية بل في قوة مؤسساتها التي يتأسس في تكاملها النظام الديمقراطي المتقدم الذي نبتغيه . والعنتريات التي « شلوح » بها الزميل و الصديق ناحي جلول إثر إقالته جعلت قدره(بالعامية التونسية) من قدر حافظ قايد السبسي و محسن مرزوق وكل المتكالبين على السلطة المساهمين في إضعاف الدولة التونسية..
Répondre