عندما يتحدث الإخوان المسلمون عن الشرعية الإنتخابية فإنهم يقصدون في واقع فهمهم ما ينتج عن عملية المبايعة التي على أساسها يتولى السلطان حكم الجماعة التي بايعته بتنفيذ أحكام الشريعة فيهم. وبفهمهم هذا للشرعية الإنتخابية يتغافلون عن الفارق القيمي بين شرعية الإنتخاب الدمقراطي و شرعية المبايعة
١) شرعية المبايعة تفويض مطلق تقوم به جماعة لشخص ما يعهدون إليه بسوس شؤونهم حسب قوانين أساسها التأويل البشري لما يتضمنه كتاب الله و سنة رسوله من أحكام. وإطلاقية التفويض ينجم عنها إخراج هذا التفويض من صفته التاريخية البشرية النسبية مما يجعل منه تسلما نهائيا و مدى الحياة لمقاليد السلطة. و الإستشهاد بما جاء في أقوال الخلفاء الراشدين من إشارات مبدئية تتصل بحق مقاومة السلطان المستبد كثيرا ما يقوم به السياسيون الإسلامويون للقول بأن المبايعة مدى الحياة لا تنفي حق الرعية في تقويم السلطان الذي ترى أنه لم يعد على حق. وإذا أضفنا إلى حق تقويم السلطان مفهوم الشورى الغير الملزمة يمكننا فهم ما يدعيه السياسيون الإسلامويون من إمكانية التقريب بين الدمقراطية الغربية المنبع و تعويضها بالجمع بين المبايعة و الشورى
٢) شرعية الإنتخابات تعاقد و ليست تفويضا وهي بالتالي مرتبطة بمايتضمنه العقد من إتفاق يلزم الطرفين (الناخب و المنتخَب) من موافقة الناخب على ما يعرضه المترشح من برنامج عمل يتعهد هذا الأخير بتنفيذه في مدة زمنية محدودة و حسب ما يحدده القانون الأساسي الذي ينظم الحياة الاجتماعية داخل فضاء الدولة التي تتأطر فيها المجموعة التي تسمى
la nation
و التي تترجم خطأ بالأمة لما يحيل عليه معنى الآمة من علاقات بين البشر أساسها الفضاء الديني و ليس الفضاء السياسي المؤطر للعيش المشترك داخل المدينة. ويتمحور التفكير السياسي الاسلامي الحديث حول إمكانية التوفيق بين شرعية الدمقراطية الغربية التي تساس من خلالها شؤون « الناسيون » في إطار الدولة « المدينية » (المدنية) و شرعية المبايعة و الشورى التي يحكم السلطان من خلالها في رعيته التي يربط بين أفرادها الدين المشترك والتي تسمى بالأمة.
وبقدر ما تحيل شرعية المبايعة على تنظيم حياة المجموعة عل أسس دينية مبدئية ذات صبغة أخلاقية بقدر ما تحيل الشرعية الانتخابية على تنظيم سياسي تعاقدي بشري نسبي ومتغير
و الشرعية الانتخابية بما أنها تعاقدية و محدودة في الزمن تختلف عن المبايعة اللامحدودة , بكونها لها بداية و نهاية منصوص عليها في عقد الاتفاق الذي يربط الناخب بالمنتخب. و ككل عقد يمكن أن تحدد مدته مسبقا بعد ربط المدة بتنفيذ محتوى برنامج العمل المتفق عليه. و في صورة إخلال المنتخب بما تعهد بتنقيذه مقابل تحصيله على ثقة الناخب فإن لهذا الأخير الحق في نقض الاتفاق قبل أنتهاء المدة المتفق عليها مسبقا. و من هنا تأتي شرعية الانتخابات السابقة لأوانها التي كثيرا ما تنظم إثر التعبير الجماعي السلمي على نية نقض الاتفاق من طرف واحد و هو الطرف الوحيد صاحب السيادة ألا وهو « الناسيون ». وهو ما شاهدناه في مصر عندما خرج الشعب ليسحب ثقته من مرسي قبل انقضاء مدة تكليفه القانونية
أما بالنسبة للشرعية الانتخابية التي يتأسس عليها الحكم الانتقالي للنهضة فقد انتهت مدة صلاحيتها منذ أكتوبر الماضي لعدم وفاء المنتخب بتعهداته في الفترة الزمنية المتفق عليها. وعملا بأخلاقيات المسلم الأصيل لم يشأ الشعب التونسي أن يبدأ حياته الدمقراطية بعمليىة نقض للعقد الذي يربطه بتنظيم النهضة لعدم احترام هذا الأخير لشروط الاتفاق آملا أن يتمكن رجال التنظيم من السمو بأنفسهم إلى مستوى رجال دولة. وعندما صار فشلهم مرئيا للعيان و مكلفا جدا خرج للشوارع ليعلمهم أن الوقت الضائع الذي جاد به على أول منتخَبيه قد انتهى
Répondre