جنون الخلافة والحنين الى حالة الجنين
لقد مثلت الحركة التحريرية التونسية نقلة نوعية في تاريخ الحركات التحريرية العربية بما اتصفت به من تجاوز لمفهوم الثورة بالمعنى الذي تحيل عليه في لغة الضاد حيث لا يمكننا التفرقة كما في لغة فولتير بين كلمتي
révolution و révolte
اللتين نترجمهما بكلمة ثورة.
والفرق شاسع بين دلالتي الأولى و الثانية. فبينما يتأسس معنى الأولى في حركة وجودية تأبى الركود والجمود يشير معنى الثانية إلى ما يحصل من رد فعل انتفاضي على واقع لم يعد في وسع فرد أو شعب أن يتحمله.
و ما يمكننا أن نستخلصه من هذا التذكير بالفارق النوعي بين الثورة
révolution
و الثورة
révolte
هو أن الثورة الانفجارية كثيرا ما تسبق الثورة الوجودية. كما أن الثورة الانفجارية من حيث طبيعتها إذا لم تحول في الإبان إلى ثورة حركية مبدعة و منتجة للتاريخ غير معيدة له في عالم الأوهام كثيرا ما تبقى مرتجة موثقة بالواقع الجامد الذي انفجرت منه و عليه.
وفي هذه الأيام التاريخية بحق التي يعيشها الشعب التونسي نحن مدعوون إلى التمعن الرصين في الفكر الحداثي الخلاق الذي عاضد حركات التحرير المغاربية والتونسية بصفة أخص والتي أنتج واقعا إنسانيا ثريا حاملا لثقافة النضال المستمر غير المستكين لليأس والذي فيه من مقومات الفكر الحضاري ما يسمح لثوراته الانتفاضية من التحول إلى ثورة حركية مبدعة واعية بحدودها و مستمدة قوتها من هذا الوعي نفسه.
وهو فكر يعتمد أولا و قبل كل شيء عدم القطع بين الأجيال و دون اعتبار ذلك شدا إلى الوراء بل تثبيتا للسير إلى الإمام.
فالتجاوز الضروري لما سبق لا يتمثل في نكرانه بل في موضعته و تفهم علاقته الأكيدة بالحاضر بغية إنتاج واقع جديد متجذر غير منبت. و ذلك باجتناب السقوط في الثوروية الطوباوية الغير المبدعة والتي من خلال طوقها للقطع مع الماضي قد تعيد إنتاجه من حيث لا تعي.
هذا ما قد كنت كتبته منذ الأيام الأولى من الثورة و اليوم و أنا استمع للمهندس العلماوي الاسلاموي الجبالي الوزير الأول المعلن وقد تراءى له أنه قد تمكن من مقاليد ثورتنا يتحدث عن ارساء دولة الخلافة الراشدة السادسة التي ينوي تأسيسها بتونس بغاية فتح القدس و تحرير فلسطين فهمت و أن ركوب الثورة يفرض على من يمارسه التنكر لأبسط مناهج التفكير السليم والتوغل في متاهات الطوباوية السلبية التي تؤدي متبعيها حتما الى السقوط في الحنين لحالة الجنين و هو عين الجنون.
Répondre