الموت المضاعف للطفي لرناووط بعد نعيه من طرف سامي بن عامر بقلم أبو العباس عبدالله
هو إنسان من نسل
الحقيقة
. فحتى
رجع صداه ثابت لا يُغيّب، برغم رحيله ورغم مقال بدا من صنف النّعي وبأسلوب أبعد ما يكون عن رُوح الفقيد.
زدْ إلى ذلك عثّرات كاتبه منهجًا و مُحتوى، السّبب الذّي جعل متنه غافلا عن حقائق تاريخيّة عدّة مع حزمة من المعطيات الخاطئة وهذا كفيل بطرح أكثر من سؤال حول مصادر المقال و كاتبه أوّلا و كذلك مدى إلمامه بالتّشكيل التّونسي ( كيف نثق به و بكتاباته وقد اقترف ما لا يُغتفر مع شخص عاصره فما بالك مع الذين رحلوا قبل ولادته و أقصد هنا جانب التّحريّ العلمي و أمانة التأريخ ) ألا يُعدّ المقال هنا رُكوبا عشوائياّ و رخيصا لمصاب الموت و التكلّم في حقّ فنّان بحجم « لطفي الأرناؤوط » و دون أهليّة و الفيصل بيننا المقال المنشور و المثبت بطريقة لا يستطيع كاتبه التنصّل ممّا ولدت ملكاته و قريحته تحت أي صفة يتخيّرها : الأستاذ الجامعي، الفنّان الأكاديمي ،المؤرخ و النّاقد و القائمة مفتوحة … ؟
وهنا أتحدّث دون حياء، فلا حياء في المعرفة و كذلك الحقّ. و احتراما لصفتي العلميّة كمختصّ اختار قطاع الفنون التشكيليّة و معاصر عرف الرّاحل والتقاه و قاسمه الحديث حول الفنّ أكثر من مرّة .
1- أول تجاوز صدمني ، تمثلّ في تقديم « لطفي الأرناؤوط » كطالب علم « بالصادقية » وهذا من الغلط لأنّه درس بالمعهد العلوي نسبة إلى « علي باي الثالث » واجتاز الباكلوريا بالصّادقية . وهنا لا يمكن أن أنسى رُوح الدّعابة لدى الفقيد الذي قال أنّه درس في معهد اُسس سنة ميلاد (اميديو مودلياني 1884Amedeo Clemente Modigliani)
2- لايعرف صاحب المقال أن كلمة » فلسفة « تطلق على ديبلوم طلبة الآداب وليس كتخصّ في تلك الفترةBaccalauréat Lettres .1963
3- لم يذكر صاحب المقال أن (الأرناؤوط) حاصل على ديبلوم الفنون الجملية من باريس( Ecole Nationale Supérieure des Beaux-Arts de Paris.
Diplôme supérieur d’Arts plastiques.1975.
قالها لي وهو يضحك تخرجت في السّنة التي ولدت فيها أنا يا أبا العباس 1975( بلسان فرنسي للأمانة )، لكأن صاحب المقالة يستكثر ذلك على الفقيد و لا نعلم دوافع ذلك تقريبا مثلما تحدث عن اتحاد الفننانين و نحن نعلم خقيقة الرّاحل بوصفه مؤسسا :
Membre fondateur de l’Union Nationale des Arts plastiques 1967.
-Secrétaire général adjoint de l’UPT 1977.
-Trésorier de l’UPT 1988
وهذا مجال آخر يتطلّب اكثر من مقالة لما شاب الاتحاد من تحوّلات ووقائع لايمكن حصرها في مقالة وهو ما سنفرد له لاحقا حديثا مطولا بناء على شهادات حيّة من مؤسسيه و كذلك ما عشته مباشرة كمنخرط بهذه الجمعيّة الثقافية )
4- لم يذكر أن الأرناؤوط كان عضوا مؤسّسا لمهرجان المحرس1988 أيضا ، وهذا على حدّ قول الراحل و نعرف امانته و صدقيّته التي لا يمكن أن يشكك فيها غير الجاحد وقد دوّن ذلك في سيرته الذّاتية التي كتبها بنفسه و (أملك نسخة منها لحسن الحظّ أو ربما لهذه الشهادة الصعبة )
5- غلبة الجانب الانتقائي وإسقاط قراءات لا علاقة لها بتجربة « الأرناؤوط « وكلّ من عرفه عن قرب خاصّة عند ربط تجربته بالمفردة كشكل هندسي تحكمه قياسيات المسطري والسطح المساحي الذّي يقُارب بالعدد والكمّ الصنتمتر وهنا أذكر شيئا من اللّحظات التي لا أنسى قيمتها عندما كان يحمل عملا من سلسلة الأعمال التي تتشابه مع العمل الذي الذي يتخيّل صاحب المقال أن يملك قدرة قراءته عبر فقرة منتوفة بعمود يومي (و كأن القدر ابتلاني بنذر الحقيقة وقول كلمة حقّ حتى ولو كان ذلك على رقبتي ) باختصار و اثناء لقائنا اشتكيت إليه تكلفة المواد و صعوبة تمرير اللون في تجربة نسخ عمل من أعمال (Hyperréalisme) لا الفرش عاجزة عن تخطّي الواقعية و أنني لا امتلك ثمن جهاز التّلوين (Aérographe) فقد قال لي: يكفي أن تستعمل إسفنجة وشريطا لاصقا، لتحصل على ذات النّتيجة انظر هذه وأشار إلى عمله كلّه تمّ باليد وبأبسط ما تتخيّل « المهمّ مدى علاقتك بالفكرة » .
6- أذكر الحدث الأكبر في مسيرتي كطالب فنون جميلة ( الذي يرغمني على كشف حدود المقال و اساءته إلى الراحل فكرا و فهما ) فيما احتفظت به من ذكريات مع الرّاحل حيث شاء الصدف أن أحضر له وهو يقوم بما يشبه المحاضرة حول رسم الوجه وقد اعتلى مصطبة ( باب خشبي 2/1م) وضع على Treteaux En Bois ) يعرفها أغلب من درس آنذاك و كانت في علو 90 صم تقريبا ) وتقمّص دور الموديل وكان في حصّة مسائية من ورشة للأستاذ والفنّان (عدنان الحاج ساسي سنة 1999/1998) فقد كان يُغيّر ملامحه ويضع قطعة قماش على عينيه تارة ثم يصيح أحيانا كممثّل مسرحيّ وأخرى يحدّق مقلّدا صرخة (مياكل أنجلو Michelangelo وادوارد مونك أو مانش حسب النّطق Edvard Munch) لقد كان مؤرخا بملامحه يجول بنا وسط تاريخ الفنّ ومع قسماته المتحوّلة كانت شفتاه تنطق بفرنسية قلّ أن يجود الزّمان بمثلها…
كان شاعرا بالكلمة واللّحظة معا وكذلك الزّمن ومنتبها إلى أبسط تفصيلة حتى أنّ طالبا كسر قلما لبديّا أخضر ( رياض عابدي استاذ فنون بالخارج )وحاول رسمه بلبّاد القلم فصاح مشاكسا وفي غضب شديد: « لماذا لم تحترم هذه القسمات(مشيرا إلى لحيته القصيرة ) اتضع القلم تحت رجلك ثم ترسمني … « و أظنه كان يقصد عدم التّغافل عن « الموديل » وإهماله ولو لرفّة عين تحيد عنه .
أذكر كذلك (زهرة حريزي ، أستاذة فنون الأن ) وقد رسمته بعد أن ألغت جزءا من نصف وجهه لتجسيد النّور فبدا وكأنه قدّ من النّور وقد صاح مردّدا كلاما » لباول كلي Paul Klee » هنا أرى نفسي نعم …هذا أنا… وأتذكر حتى لون القلم « sanguine ». و هو أيضا من أشار إليّ بكتاب لفهم الرّسم لم أكن اعرفه ولا أعرف صاحبه Art et sens de Michel d’Hermies « و كذلك وهنا لا ننسى معلومة مهمّة من تجربة هذا الإنسان فقد كان رسّاما وأشير إلى هذه المعلومة:
1965 à 1967 Dessinateur au Centre des Arts et Traditions Populaires ( INAA – Affaires culturelles ).
7- لا أعرف لماذا خُتم المقال وبدا مؤسفا حين ينتهي بخبر يخصّ الرّاحل وعلى لسان من كتب المقال « وافاه الاجل بدار للمسنين « وهو قمّة الابتذال والمنطق المقلوب فأي عُذر وأي أسف ساقه الكاتب بعد فوات الأوان وهو ما نقوم به جميعا لو سكتنا أمام اجحاف في حقّ شخصيّة نادرة رحلت دون ضوضاء ودون حاجة إلى صورة ترافقها في عمود بجريدة أو » ألف جدار افتراضيّ «
لا أجد غير الصّمت والعودة إلى الحقيقة كما تبادلها محمود درويش مع سميح القاسم في كتاب الرّسائل عندما كتب ذات ذاكرة : « ويهطل المطر وتنبت الحقيقة «
وهو درس تعلمه سميح القاسم من والده عندما كلّفه مع شقيقه بغراسة حبّات اللّوز في غير ان شقاوة سميح القاسم وشغفه بلعب الكرة مع أطفال الحيّ جعله يقترف مؤامرة يستعجل بها التخلّص من حبّات اللّوز حين ردمها دفعة واحدة مخالفا تعليمة والده (حبّتان لكل حفرة) الذي استغرب إتمامهما السّريع لمهمة غرس البذور.
يقول لم يكتف إلا ّبسؤالنا كم حبّة .
« ومرّت الأيّام واللّيالي وأبرقت فأرعدت وأمطرت …
و استدعانا الوالد من جديد ليسأل مرة أخرى كم بذرة وضعتموها في كلّ حفرة ؟ ودون أن نفطن إلى عوامل الطبيعة وتقلّباتها عدنا وكرّرنا حبتين لا أكثر . آنذاك هتف بين شدّة إذن وأختها سيهطل المطر وتنبت الحقيقة… سيهطل المطر وتنبت الحقيقة… سيهطل المطر وتنبت الحقيقة… آنذاك عرفنا أن الوالد تفقّد الحفر ووجد غابة من اللّوز في حفرة واحدة ص3 من الفصل 27 ،الرسائل «
هكذا هو الأرناؤوط ينبت رغم التعتيم والنّعي المجاني والذي حاول قتله مرّة أخرى لكنّه ما مات، رحم الله الفقيد ورحم مصداقيّة البحث حين تلتقفه النّوايا المجهولة وإن كان من واجب العمود الصحفيّ و بصحيفة عريقة تربينا عليها و كبرنا معها أن يتحرّى على الأقل حقيقة تراثنا الحيّ و سير الراحلين من صنّاعه .
كي ينصف مسيرة إنسان شبع تهميشا وتجاهلا حتّى أثناء حياته، فما بالك الآن وقد غادرنا إلى الأزل فلا بغتة موت يخاف ولا حتىّ ضمّة قبر.
الرابعة فجرا و 12 دقيقة من يوم : 03/02/2023
Répondre