فُوَيْرقات : صورة رقمية لاحتراق رمزي Nuances
انطلاقا من قراءتي لتاريخ تونس الحديث و ما يخترقه من تجاذبات متناقضة بين الفكر ألإصلاحي الذي استوعبه بورقيبه مضيفا له ما كان يتميز به من قدرة على التبصر الاستراتيجي فيما يتضمنه الواقع من إمكانية التجاوز المتاحة خدمة لمشروع التحرير الوطني ثم بناء الدولة الحديثة من ناحية و ما كان و ما زالت تعاني منه النخب السياسية الحاكمة و المعارضة على حد السواء، من ناحية أخرى، ما زلت مصرا على ما قلته منذ الأيام الأولى من الثورة بأن الثورة التونسية ستكون بورقيبية أو لن تكون.
و أعود الآن الى التذكير بالبعد الرمزي الذي أضفته الثورة على انتحار البوعزيزي فحولته إلى استشهاد على معبدالكرامة من حيث لم يكن يدري. و المقصود هنا ليس بالضرورة الشاب محمد البوعزيزي الذي قد نختلف في تأويل إقدامه المتعمد أو الغير المتعمد على إحراق نفسه بإضرام النار في جسده بعد أن سكب عليه كمية من البنزين بل ما أضفت عليه الأحداث التاريخية التي تبعته من بعد رمزي جعل منه الشرارة التي أشعلت نار الثورة. و هنا يمكننا أن نلاحظ الصيغة الحداثية التي اتخذها هذا الترميز من حيث تحويل الحدث الفعلي للإحتراق إلى صورة رقمية قابلة للنشر على نطاق واسع على شبكات التواصل الإجتماعي و ما تسبب فيه هذا الواقع الإفتراضي من مساهمة في تفعيل التاريخ اللامرئي الذي تخمرت فيه الظروف المواتية للثورة فجعلها تبرز من دائرة الموجود بالقوة إلى مستوى الممكن إيجاده بالفعل فتلقفها الشباب العاطل المهمش بالجهات و بالأحزمة الحمراء و السوداء للمدن الكبرى و شباب الفايسبوك وأطرتها المنظمات المدنية ذات الصبغة السياسية من اتحاد العمال والشريحة النيرة من سلك المحامين إضافة إلى التحركات المختلفة التي صدرت عن أصحاب القرار داخل النظام نفسه. و قد تكون لهذه التحركات المسكوت عنها بالضرورة الأثر الكبير في السماح لثورتنا بأن تتخذ الشكل السلمي الثقافي الإحتفالي لمظاهرة ١٤ جانفي ٢٠١١ بشارع بورقيبة معتمة شيئا ما على البعد الدرامي للأحداث التي عرفتها البلاد ابتداء من ١٧ ديسمبر ٢٠١٠. و إن اتخذت صورة الثورة التونسية شكلا » ما بعد حداثيا » فإن ذلك يرجع إلى ما تختزنه تونس من مواصفات اجتماعية و ثقافية تحمل في طياتها التأثيرات الإيجابية المباشرة للفترة البورقيبية الأولى و التي لم يتمكن الانشغال بالصراع على السلطة في الفترة البورقيبية المتأخرة و التجهيل المنظم الذي طبع فترة بن علي من القضاء عليها.
ولكن كما كان للتحركات المختلفة لأصحاب النفوذ داخل النظام تأثير إيجابي في التحديد النسبي للأبعاد المأسوية للثورة فإن الإرباك الذي نال سلطة القرار إثر شغور مركزهاالرئيسي بخروج بن علي منه تسبب أيضا في تمكن ما سماه الباجي قايد السبسي بالأعشاب الطفيلية من الإلتفاف على الثورة بركوبها و أدى إلى تغيير وجهتها خدمة لمصالح القوى العظمى ولعملائها بالداخل وحلفائهم من بلدان الخليج الذين ابتغوا درء مفعول الثورة التونسية على أنظمتهم الدكتاتورية المتخفية تحت ستار الرخاء الإقتصادي الذي من به الله على أنظمتها؛ إلى جانب استغلال الفرصة من طرف هذه الأنظمة الرجعية لتصفية حساباتها مع تركة بورقيبة
Répondre