الأبراهاميٌة ليست الإبراهيميّة و أبراهاميّة ترامپ ليست أبراهاميّة ناتنياهو

أوائل سنة 1970 و نصف عام قبل أحداث سبتمبر أيلول الأسود التي تمثلت في تطهيز الأردن من المنظمات الفدائيّة بعد قتل الجيش الأردني ل10000 فلسطيني و جرح ما يفوق ال 100000 تعلن جريدة الدستور الأردنيـة « بدء تفريغ قطاع غزّه من السكان وإتصالات عربيّة عاجلة لوقف الخطـّة الإسرائليّة ضد 300000 مواطن عربي في القطاع. » ما هو جدير بالملاحظة هو غياب ذكر هويّة الغزاويين الفلسطينيين و تسميتهم » بالسكّان »عوضا عن « سكانها » وب »المواطنين العرب » أي نسبة للوطن العربي و ليس لأرض فلسطين التي يحمل أهالي غزّه إسمها كباقي الشعب الفلسطيني..
ضدو من هنا نلاحظ توافق المفردات التي يستعملها العروبيون للدلالة على أهل فلسطين بكونهم « مواطنون عرب » و ما يقوم به الخطاب الصهيوني من استعمال لكلمة عرب عوضا عن الفلسطينيين. يقول شلومو صاند وهو من المؤرخين الإسرائليين الجدد أنه كان في شبابه يستعمل كلمة عرب للحديث عن فلسطينييي 48… لأن فلسطين لم توجد بعد في أذهاننا لغياب ذكر كلمة فلسطين في السرديّة التاريخيّة الرسميّة المعتمدة في الجامعات الإسرائليّة »
و ما هو أدهى من ذلك هو أن الإيديولوجية العروبيّة التي يدّعي العروبيون أن فلسطين و قضيتها تحتل محورها الرئيسي قد استعملت لتغييب هويّة الفلسطينيين التاريخيّة و التي تشرّع إنتماءهم العضوي لأرض فلسطين تحت هويّة وهمية أسقطت عليهم و على غيرهم من الشعوب العربية و هي باعتبارهم من « الوطن العربي » الموهوم.
و قد صار اليوم واضحا للعيان أن إيديولوجية العروبة التي ما زالت تسكن قلوب الناصريين و البعثيين الصداميين و البعثيين السوريين و الوحدويين القذافيين كانت الغشاء البصري الذي منع قضية فلسطين أن تطرح كما صارت تطرح اليوم كقضية تحرير شعب من استعمار استيطاني يفرضه عليه تنظيم إرهابي عالمي يدعى الصهيونيّة و الذي جنّد بسطاء المنتمين للديانة الموسويه من جميع أنحاء العالم ليصنع منهم « شعبا » جعله رأس حربة الأمبريادلية الغربيّة في الشرق الأوسط.
و ما نلاحظه اليوم هو تغيير في التصوّر السياسي لواقع أنظمة الدول العربية والذي يتمثل في اعتماد مسارات استراتجية متجاوزة الإنتماءات العرقيّة والدينيّة و المبنيّة على إعتبار المصالح المتبادلة بين دول المنطقة التي لها إمكانيّة المشاركة في الهيمنة على الشعوب العربيّة. و عند إنكشاف لعبة العروبة التي تغطت بها الأنظمة يمينها و يسارها أقدمت الأنظمة الغنيّة على الإنخراط في مسارات إعتبرتها واقعيّة و مستجيبة أكثر لمصالحها المادّية المشتركة والدخول في علاقة تشاركيّةمع الكيان الصهيوني الممثل الموثوق للهيمنة الغربيّة على العالم. و كان من الضروري تغطية إقدام هذه الأنظمة على المحظور المحذور با بتداع إيديولوجيّة جديدة عوضت الإنتماء العروبي بالإنتماء الأبراهامي والذي يترجم للعربيّة بالإبراهيمي تلطيفا للمعنى الأصلي الذي تعطيه الصهيونيّة للأبراهاميّة أي لمشروعها المتمثل في إسرائيل الكبرى. ويكفيك أن ترى ما فعله الصهاينة بالمقام الإبراهيمي الإسلامي بالخليل لتفهم بأن الصهاينه لا يقبلون باقتسام الأب المشترك كما يلاحظ ذلك عالم النفس اليهودي المراكشي دانييل صيبوني في كتابه « Les trois monothéismes »
و كما هو معلوم بأن الأبراهاميّة هي تصوّر دونالد ترمپ لمنطقة تجاريّة واسعة مفتوحة للغنم الأمريكي تضمّ دول الشرق الأوسط الغنيّة بالموارد الطبيعيّة و المستهلكة للمواد المصنعة في بلدان الغرب و لخدمات شركاته العملاقة المخترقة للحدود. و أبراهاميّة ترامپ ليست أبراهاميّة ناتنياهو و مستوطني الخليل. أبراهاميّة ترامپ استراتجيّة تاجر وأبراهامية ناتنياهو إيديولولجيّة تعتتبر التوراة قانونا وتاريخا حقيقيين يشرّع سيطرة مملكة إسرائيل على كل البشر. .
كل هذا كان واردا و يتطلب إنجازه نزع صفة مواطنين للمنتمين المشاركين لأوطانهم و إعتبارهم سكانا مؤقتين لأراض كانت لعصور محلّ نزاعات بين أطراف مختلفة كما وصف ترامـپ قطاع غزّه. و على هذا الأساس يقع تشريع امتلاك الأرض للأقوى عملا بالمثال الأميركي نفسه و الذي يستحضره الصهاينه في خطابهم للسلط الأميركيّة.
كل هذا كان واردا إلى أن حصل طوفان الأقصى فقلب الطاولة على العروبيين والأبراهاميين بتذكيرهم بأن العالم القديم بنته حضارات شعوب متجذرة في أراضيها يصعب إقتلاعها و زرعها عنوة في أراضي الغير . إلا باللجوء للحروب المدمّرة لإنسانية البشر
Répondre