أكد الباجي قايد السبسي عديد المرات أثناء حملته الإنتخابية الرئاسية و حملة الانتخابات التشريعية بأن نداء تونس لن يحكم وحده في صورة نجاحه. موضحا أن ذلك لا يعني القبول بتشريك ألأطراف التي يتناقض برنامجها جوهريا مع ما أجمعت عليه الشرائح السياسية المختلفة المكونة لحركة نداء تونس. وهو موقف يتجاوز نوعيا القاعدة التي جمعت،لفترة التجمعات السياسية المشاركة في الآتحاد من أجل تونس و التي يلخصها المراقبون في اشتراكها في مناهضتها الجماعية لتنظيم النهضة المسيطر على الحكم عن طريق دكتاتورية الأغلبية الترويكية بالمجلس التأسيسي, و الفارق واضح بين ان يكون عدم المشاركة في الحكم مع النهضة و مشتقاتها سببه التناقض الجوهري مع ماهية فكرها الديني المسيس أو فكرها السياسي المتدين و بين أن يكون بينك و بين النهضة خلاف سياسي يمكن أن يتجاوز بالحوار.
فبالنسبة لمن يقول بأن لا مجال للتحالف في الحكم مع النهضة فهو يعتبر ضمنيا و أن ما يمنع المشاركة يكتسي صبغة قيمية لأنه يرى و أن الفكر المؤسس لحركة النهضة لا ينتمي للحقل السياسي الديمقراطي المبني أساسا على اعتبار النحكم في البشر لا يمكن أن تكون مرجعيته ربانية بل حوارية اتفاقية بين البشر أنفسهم.
و الاتفاقي ليس التوافقي, لأن الآتفاق مرجعيته التشريع الوضعي الذي يحيل على مفهوم العقد النيابي بينما الوفاق يحيل على الشورى و المبايعة وهو تصور مجتمعي يختلف نوعيا عن الديمقراطية دون أن يناقضها على مستوى الغايات و لكن على مستوى الوسائل. وكثيرا ما تُنسى الغايات التحريرية للخطاب الديني و تدفن تحت تصنيم الوسائل المتمثلة فيما يسمى بسنة الله و رسوله
أما بالنسبة لمن يقول بأن الاختلاف مع النهضة يكتسي صبغة سياسية مرتبطة بالبرامج و ليس بنوعية التفكير فهو يعترف ضمنيا بانتماء النهضة للحقل السياسي و فد يدخل معها في تحالفات تؤدي الى ما ادت اليه حكومة الترويكا التي كان محكوما عليها بالفشل لمناقضتها الجينية للممارسة السياسية المتقدمة التي كنا نتمناها لتونس بعد الثورة.
و تجربة الترويكا كانت مفيدة جدا ككل التجارب الفاشلة لأنها سمحت بكشف الخلفية الفكرية السياسية للأطراف المشاركة فيها و المبنية على اعتبار غاية العمل السياسي هي الصعود الى سدة الحكم, و لا يوجد فارق كبير بين التكتل المضمحل و التجمع المنحل وبقية أحزاب المعارضة الطوباوية التى ليست بصدد اغتنام فرصة الثورة والديمقراطية الفعلية التي سمحت بارسائها بضغط من المجتمع المدني البورقيبي الناضج للقيام بنقلة نوعية لتصوراتها السياسية الرجعية لآنها تتعامل مع الواقع كأن لم تقع ثورة و لا يرون من آثار ١٤ جانفي الا أخلاء الكراسي من طرف بن علي و التجمع .
و حركة نداء تونس لم تأت من المريخ كما قال صاحبنا عن السلفيين و هي تجمع سياسي يوجد فيه من يحمل نفس الخلفية الفكرية المستلبة بفكرة الصعود الى سدة الحكم و لو أدى دلك الى اقتسامه مع النهضة. وهو أمر لا يتفق مع ما وعد به الباحي و لا مع الفكر السياسي الديمقراطي المتطور الدي يدعو له الطيب البكوش,
و الواضح أن الذين يتخوفون من التحالف بين النداء و النهضة يتمنون ذلك لتبرئة أنفسهم مما يمارسونه من معارضة انتهازية تتستر بالثورية و الرجولية و المبادئ الاخلاقية,
فمهما كانت الحاجة البرلمانية لأصوات النهضة فإن تشريكها في الحكم يعتبر اعترافا بالصفة السياسية لممارستها اللاسياسية و هو ما قد يحرم تونس مما يمثله اليوم نداء تونس من
أمل بناء الديمقراطية المتطورة التي نريدها غاية قصوى لثورتنا الحضارية المجيدة
Répondre