يختزل الخطاب السياسي السائد لدى المعارضين للأحزاب الإخوانية بتونس و مصر عملية « تسييس الدين » التي تقوم بها هاته الجماعات و التنظيمات في وصف زعماء الأحزاب الدينية ب »المتاجرين بالدين » … وأضيف: … « في سوق السياسة »
. و لا أخالني ظالما لأصدقائي ممن يحسبون على اليسار والذين يتهمون يوميا راشد الغنوشي و أتباعه بالإشتغال بالتجارة بالدين بأنهم يعترفون ضمنيا بتحويلهم هم أيضا الخطاب الفكري السياسي الذي تنبني عليه مناظرات المشتغلين بالحقل السياسي فيما بينهم إلى عملية تجارية تتمثل في شراء أصوات الناخبين …. أي الشراء المؤقت لمركز السلطة الذي يقع اكتراؤه بالمزاد العلني من مالكه الشرعي الذي هو الشعب أثناء الحملات الإنتخابية الموسمية. والدليل على تداول هذا المعنى تسمية الفترة التي سيؤول أثناءها الحكم « للرابح » في الإنتخابات بمدةالكراء »
(bail)
وإذا ما قبلنا بصحة هذا الإستنتاج يمكننا القول بأن المتاجرة بالدين في سوق السياسة تشير أولا و قبل كل شيء إلى نوعية الأسس الفكرية للديمقراطية الغربية المعاصرة و بخاصة الأميركية منها وهي أسس وقع وضعها على مرحلتين.
الأولى و هي فترة نشأة « الحداثة » الأوروبية لما فرق القديس توما الأقيوني بين مِلك الله ومِلك قيصر و جعل من رجل الكنيسة « وليا » على أرواح الأفراد ومن الحاكم المدني السائس لشؤون دنياهم مفرقا بطريقة قطعية بين المادة و الروح. و بعد هذا « التصعيد » ( الدفع إلى العالم العلوي) للقيم الدينية و رفعها إلى مُلك السموات وقع تعويض فقدانها على مستوى مٌلك الأرض بالقيم الأخلاقية… مع الإحتفاظ بهاته القيم في نفس الدائرة الماورائية التي تنتمي إليها القيم الدينية. وهو ما جعل الإلتزام بالأخلاق على مستوى الأفعال موكول ل »ضمير » الفاعل و الحاكم والقاضي الذي يحكم بين الناس بالرجوع إلى دائرة « روحه و وعيه » و ليس إلى « وعيه الروحي
en son âme et conscience
وبعدم الربط العضوي بين الأخلاق و الفعل و ترك ذلك على مسؤولية الأفراد، بالرغم من وجوبه الأخلاقي المبدئي و المعلن لم يبق من ذكر لضرورة ربط الأفعال بالقيم إلا بالنسبة لمن يشتغل بالعدل لما لهذه المهنة من ارتباط وجودي بما يضمن تواصل شعور كل فرد بالإنتماء للمجموعة. ألا وهوالإطمئنان للحكم العادل و عدم الإحساس بالظلم مخرب للعمران. ولا تتمكن الديمقراطيات الأوروبية باختلاف أشكالها الجمهورية و الملكية الدستورية من مواصلة إنتاج نفسها كمؤسسة فكرية و سياسية إلا باللجوء المتواصل لإخضاع الفعل السياسي لرقابة المجالس الدستورية العليا التي تصدر أحكامها السارية المفعول على كل الأحكام التي تصدر عن السلط الثلاث، بكل وعي و روح.
والمرحلة الثانية التي مرت بها الديمقراطيات الغربية تتمثل, حسب رأيي في التطور النوعي الذي عرفته منذ أن وقع الخلط بين التسويق الإقتصادي واعتماده تقنيات الإشهار و الخطاب السياسي المعتمد في الحملات الإنتخابية و هو ما أسس لإختصاص الماركتنڤ السياسي
Le marketing politique est l’une des formes de la communication politique qui vise à promouvoir un projet, un candidat, un dirigeant, une cause politique sur le modèle des techniques de marketing commercial en faisant appel notamment à l’utilisation de campagnes « publicitaires » dans les médias, la distribution de tracts ou le démarchage, par opposition aux formes historiques de la communication politique que sont, par exemple, les débats publics ou les meetings. En ce sens, la nature du marketing politique s’inscrit dans une stratégie de communication. Source Web.
وكما هو واضح من خلال ما يحيل عليه هذا التعريف للتسويق السياسي من مرجعيات تجارية تختلف نوعيا عن اللقاءات الحوارية بغاية تبادل الآراء في الشأن العام أو الإجتماعات السياسية ذات الغايات التوعوية فقد تسببت هذه النقلة النوعية للخطاب السياسي في « تبضيع » « الشأن العام » و تحويله إلى « الشيء العمومي » وهو ما يمكّن « الفرد الحر » من حرية التجارة بكل شيء بما في ذلك القيم الدينية التي تحولت منذ أواخر سبعينات القرن الماضي إلى مجال للإستثمار الإقتصادي السياسي . و صار بإمكان أي مغامر دجال أن يؤسس كنيسته ثم إذاعته و تلفزته و مستشفياته و جامعاته الداعية للقيم المبتدعة من طرفه و إستثمار هاته القيم في شتى مجالات النشاط الإقتصادي و الخدماتي منه على وجه الخصوص…. و النشاط السياسي جزء منه. وقد صار ذلك جليا في مساهمة الكنائس الخاصة المختلفة في حملات انتخاب كارتر ثم و بصفة أوضح في انتخاب ريڤن. وليس غريبا أن يواكب ذلك تأقلم نوعي في خطاب الإسلام السياسي الذي صار يُسَوَق له بإسم قيم الديمقراطية الغربية في الوقت الذي يواصل فيه « السلفيون » مجاهرتهم بمعاداتهم للديمقراطية . والحال أن المتأقلمين مع الديمقراطية الأميركية من الإسلاميين السياسيين لا يتنكرون إليهم و يصفون فكرهم بالمراهق الذي « يذكرهم بشبابهم ». وهو موقف يحاكي شكليا موقف لينين عندما يصف « اليسروية »(الڤوشيزم) بأنها مرض طفولة الفكر الشيوعي. و المحاكاة الشكلية لِلنِين الشيوعي من طرف الغنوشي المتأسلم تجعل هذا الأخير لا يقر بأن السلفية هي « مرض »الإسلام السياسي ويكتفي بالقول بأن الوهابيين من السلفيين حاملون لثقافة جديدة و هم يذكرونه بشبابه. بما يشير إلى الحنين الدفين إلى الجذور الوهابية لخطابه السياسي و التي يصعب تجاوزها دون القطع النوعي معها. ذلك أن النضج الذي يدعيه المتأسلمون لأنفسهم ليس ناتجا عن « نقد ذاتي منهجي » يؤدي إلى التجاوز الصحي للفكر الطفولي المرضي للإسلام السياسي البدائي و لكن ينم على انتهازية فكرية لا علاقة لها بإعمال العقل الذي يوصي به كتاب الله. و قد يكون لهذا علاقة بما لاحظه المصلح المسلم المصري محمد عبده عندما قال : » في الغرب وجدت الإسلام و لم أجد المسلمين وفي البلاد الإسلامية وجدت المسلمين و لم أجد الإسلام ».و الغرب الذي يقصده محمد عبده يختلف جذريا عن غرب َماكْ كايْن.
و بالتذكير المقصود بغرب ماك كاين أعود إلى ربط الإسلام السياسي (الذي أفتى بتلاؤمه مع الديمقراطية الأميريكية رضوان المصمودي) بالفشل الموضوعي الذي يسجله، الآن و هنا، الحكم الإسلاموي بتونس و مصرللقول بأن التجربة التونسية أثبتت عدم إمكانية هذا التلاؤم بعدم قدرة الإسلام السياسي الغنوشي على تجاوز مرض الطفولة الذي يسكنه والذي يجعل من هذا الإسلام المرضي المراهق أداة طيعة في يد مشجعيه و مموليه من الصهاينة من أتباع موسى (وهم سلفي الدين اليهودي) و سلفي الدين الإسلامي من الوهابيين
و النجاح الوحيد الذي سجله تنظيم النهضة بمروره بالسلطة في تونس هو إعطاؤه معنى أكثر ظهورا للعيان للتجارة بالإسلام تمثل ( إلى جانب التجارة بالدين في سوق السياسة و الإعلام كما يفعل حماته من الأمريكان) في لتجارة بمشتقات الإسلام عندما يحول ديننا الحنيف على أيديهم الى سلعة فتصير مناسك الحج مجالا للغش و التلاعب بالهويات الرسمية للحجيج الذين يحولون الى زبائن يباع لهم حج من أصناف متفاوتة الثمن حسب درجة الرفاه المقدمة متناغمين في ذلك مع تحويل آل سعود بيت الله الى مقصد سياحي يبهر فيه الزوار بما أنجزه الأمريكان من إعجاز معماري يتمثل في شكل ساعة عملاقة قزمت الكعبة الشريفة في أعين الرائين الغير العابدين
naceur ben cheikh le 10 octobre 2013
Répondre