القول بأن تنظيم النهضة حزب سياسي خدعة حربية
في صائفة ٢٠١١ و ما يقارب الأربعة أشهر قبل الانتخابات استبق البعض من رجال الأعمال التونسيين الأحداث وحضروا بمدينة ريمني الايطالية لقاء سريا جمعهم بوزير الخارجية في حكومة برلسكووني المنتمي لوسط اليمين المسيحي و قدموا له أثناءه حمادي الجبالي بصفته رئيس الحكومة الذي سيرث بن علي مؤكدين لأصدقائهم من أصحاب النفوذ السياسي و المالي الطليان أن الرجل يتمتع بالخصال التي تؤهله بأن يقود تونس بكفاءة و امتياز. و من أهم الحجج التي قدموها لإقناع مخاطبيهم بمساندة حمادي الجبالي هو أن حركة النهضة هي الدرع الوحيد الذي سيحمي تونس من السقوط في أيدي السلفيين . و قد كنت نشرت قبل الانتخابات بعد أن قمت بترجمته النسبية عن طريق الڤوڤل من الإيطالية إلى العربية الحديث الذي أدلى به المستشار السياسي لحركة النهضة و الذي أشار فيه صاحبه الى أن حمادي الجبالي كان قد بعث برسالة فيديو إلى ريميني حتى يطمئن مستقبليه على نواياه الحسنة إزاءهم ونشرت على موقعي في الفايسبوك الفيديو المذكور حيث يؤكد حمادي الجبالي في لغة فرنسية منطوقة بلكنة شرقية أن سياسته الخارجية ستتخذ وجهة متوسطية مبنية على اعتبار المصالح المشتركة و الانتماء لثقافة دينية واحدة تجمع بين أتباع الأديان السماوية .
و لكن الأهم من ذلك هو أن نلاحظ أن المد السلفي لم يكن مرئيا بما يجعل منه خطرا لا يقدر على صده إلا الأقربون وهو ما يجعل الملاحظ يرى أن هذا « الخطر » كان مبرمجا كجزء لا يتجزأ من الخطة المتدرجة للإستلاء على الحكم من طرف النهضة و المتمثلة في مرحلة أولى في استعطاف « الغلابه » من الطبقات الشعبية بتقديم المنتمين لتنظيمها كأكبر َضحايا الظلم الذي عانى منه التونسيون طوال الفترة الماضية من جهة و بالتضامن المحسوب الذي يلوث عمل الخير بالمن و يجعل منه شراءا للضمائر و استعبادا للمستضعفين و هي ممارسات يستهجنها ضمير كل مسلم مؤمن في العمق بالرسالة المحمدية الطاهرة التي تنأى بأتباعها عن تعاطي هذا الربا الرمزي المتمثل في تحويل الصدقة إلى اقتراض يسدد أمام صندوق الإنتخاب
أما المرحلة الثانية من الخطة فتتمثل في التخلي عن قانون اللعبة الديمقراطية التي وقع استعمالها للتغرير بالمستضعفين في كنف الشرعية القانونية و شفافية الصناديق و استعمال حيلة تمكنهم من البقاء في السلطة تتمثل في ابتزاز أصوات الطبقات التي تطمح للسلم الاجتماعي بتهديدهم بحرب أهلية معلنة و جعلهم يخنعون لحكم النهضة لسنين. وهو ما لم يتورع راشد الغنوشي عن التلويح به العديد المرات بدعوة التونسيين إلى الاستعداد لتحمل حكم النهضة لمدة سنوات قد يصل عددها العشرين مشيرا بكل وقاحة أن ذلك هو قدرهم الذي سطرته لهم القوى العظمى و ما عليهم للإقتناع بذلك الا إلقاء نظرة على الخارطة السياية الجديدة لمنطقة المتوسط
ومن هنا نفهم أن المرور من مرحلة الإستدراج « الديمقراطي » الموصل للسلطة إلى مرحلة الترهيب للحفاظ عليها يقتضي القضاء الضروري على حرية الإعلام لأنها أساس التنظيم السياسي الديمقراطي و هو ما فتئت النهضة حكومة و تنظيما تعمل على إنجازه بمحاولاتها المستمرة و الوقحة لتدجين الإعلاميين و المساس من استقلالية وسائل الإعلام. كما نفهم أهمية دور السلفية التي يوكل إليها دور الترهيب و التلويح بممارسة الإرهاب الذي يقال لنا أنه قد يخرج عن نطاق سيطرة الحكماء من قادة السلفيين أنفسهم
والخطة الانقلابية على الدولة المدنية التي ينفذها تنظيم النهضة تتمثل اليوم في القيام بانزلاق مفهومي يجعل الاعتدال الذي تسترت تحته النهضة لإسداء صبغة سياسية مدنية على ممارساتها الترهيبية بالأساس يقع تصريفه حسب سلم تتفاوت درجاته يسمح باسداء شرعية الإعتدال لا على « الشيخ الراشد » فقط بل على الناطق باسم السلفيين الجهاديين و الذي يعتبر نفسه من « الحكماء » الذين يقدمون النصح لعامة التونسيين بعدم استفزاز جنده و جعلهم يتجاوزون أوامره لأن نمط العيش اليمقراطي يمثل في نظرهم كفرا لا يستطيعون تحمله. و من الخطإ في التحليل السياسي أن نتحدث إلى حد الآن عن تكامل أو تنسيق أو تساهل و تعاطف بين الحكومة و الفلول السلفية و أن لا نعي بأن السلفيين هم جزء أساسي و تأسيسي من تنظيم النهضة.
تونس في ٢٢ مارس ٢٠١٢
ناصر بن الشيخ
Répondre