الحوارضرورة . هذا ما يصرح به كل مسؤولي تنظيم النهضة المتمكن من مقاليد السلطة في بلادنا مع السكوت المقصود عما يتطلبه تعاطي الحوار من المشاركين فيه من أرضية تواثقية . و التواثق يتمثل في أن يستثيق المحاورون بعضهم البعض. وهو أساس التوافق المنتج للوفاق. فالتواثق شرط مسبق لا يضعه طرف من أطراف الحوار و يمليه على بقية الشركاء بل الشرط الضروري التأسيسي لضمان الصفة التوافقية للحوار التي بدونها يتحول التفكير المشترك في الشأن المشترك تقابلا للمواقف الجاهزة غيرقادر على إحلال الوفاق بين متساكني الفضاء المشترك.
و لا يمكن أن نستثيق بعضنا البعض إلا بشعور كل طرف منا بالثقة العميقة بالذات. و الثقة بالذات تختلف جذريا عن الثفة بالنفس و هي ما نعبر عنه في العربية العامية التونسية بثقة المرء « في روحو ». والنفس هي البعد الحيواني للروح المتصلة بالجسد والفانية بفنائه و التي يأمرنا واجب الجهاد الأكبر بمقاومتها لأنها أمارة بالسوء و لا تساعد البشر من الحيوان على تجاوز حيوانيتهم البدئية.
والنفس كثيرا ما تجعلنا ضحية الوسواس الخناس الموصد للعقل بتحويله التفكير السليم التشاركي الحواري بالضرورة إلى تخمين عقيم (« التخمام » أو الوعي الشقي) الذي يقوقع الذات و يجعلها تلتف حول و على نفسها لعدم « ثقتها في روحها ». فيعزلها التخمين المكتئب عن العالم الخارجي ويسقط المرء في الجنون وهو « الحنين إلى حالة الجنين » كما يعرفه صديقي صِــدِيقْ الجِـــدِي الأستاذ الجامعي و الطبيب النفساني المعروف.
وما يشكو منه الحوار الوطني اليوم هو أن الطرف الرئيسي فيه وهو طرف المتمسكين بالسلطة يشكو من عدم ثقة مَرَضي « في رْواحْهِمْ » لخلط أغلبهم بين الإعتداد بالنفس والإيمان العميق بما أودعه الخالق في الإنسان من بعد روحاني يميزه عن بقية الحيوان.
و في غياب المحاور « الواثق من روحو » لايمكن أن يكون هنالك حوار مثمر ولا حوار إلا الحوار المثمر. لأن الحوار مسلك و طريق و منهج بحث جماعي لا يتصل بغاية مسبقة لأن الغرض منه كشف المستور و القبول بما سيوصلنا إليه التأمل المشترك فيما يشكو منه واقع تونس اليوم الموجع و الأليم
و العي الفكري و الهروب المستمر إلى الأمام الذي يبدو واضحا للعيان من الملامح الخِطابية لمسؤولي تنظيم النهضة و عدم قدرة هؤلاء الأُخَر على تحويل تنظيمهم إلى حزب سياسي، قد يكون مأتاه الخوف الواضح من المستقبل ومن واقع جديد لم يكن في الحسبان سحبت منه موضوعيا كل المؤشرات المــُطَمْئِنَة والتي أغلبها كان ذي طابع خارجي غير ذاتي يحول المناضل إلى عميل و الفاعل إلى مفعول به
و مما تعلمته من قرآتي المتجددة للتمشي السياسي لبورقيبه ضرورة وضع خطة بيداغوجية بغية تحويل من يشكو من مرض معاداته لك إلى شريك في الحوار. و ذلك يبدأ بأن تُطَمْئن الخصم و أن « تقرأ فيه النية الحسنة » بصفة مبدئية و بدون شروط مع الإبتعاد عن الرياء و التطمين المحسوب المبني على االنفاق المطلق بمفهوم علم النفس. وهو توضيح أريد منه النأي بخطابي هذا عن الحقل الديني الأخلاقي دون أن يمس ذلك من خلفيته الإسلامية الروحية. وثقتي في محاوري الرمزي أستمدها من ثقتي بالله و ليس من ثقة بالنفس قد تجعل من يعتمدها يستمد اطمئنانه من ولائه لغير الله. ولقد كنت أول من كتب أن علي العريض فيه مواصفات رجل الدولة سعيا مني إلى مساعدته على أن يرتفع إلى مستوى المقام بالرغم مما أشرت إليه في نفس الوقت إلى ما باح به من تخطيط مسبق لجعل الخطر السلفي تهديدا لا يمكن القضاء عليه إلا بعد خمس سنوات (ندوته الصحفية إثر أحداث بير علي و الروحية) و هو ما كشف عن نيته في أن تبقى النهضة في الحكم خمس سنوات تتمكن أثناءها من القضاء على دولة بورقيبة متذرعة بمواصلة حربها على إرهاب سترعاه و تجعل منه خطرا فعليا تطول فترة إقتلاعه.
وتعبيرك البيداغوجي عن الثقة في الخصم لتحويله من عدو إلى شريك في بناء الوطن (المشترك بالضرورة) لا يكتسي صبغة الحكم بل يمثل بعدا إجرائيا تتطلبه شروط الحوار البناء بين كل المنتمين لتونس. و لن أكون يوما من مناصري الإقصاء لأنه يمثل إضعافا للفعل الجماعي الذي يعتبر الحجر الأساس للإستثمار السياسي على المدى الطويل.
و اليوم و تونس تعرف أصعب أزمات التطور النوعي في تاريخها المعاصر ومن منطلق موقعي كمثقف غير معني ضرورة بالمجال السلطوي للفعل السياسي، لا أرى بدا من تذكير السيد علي العريض بأن الإعتداد بالنفس و التشبث بالرأي الغير القابل للتأثر بالمغايرة لا يمكنه إلا أن يزيد المعتل به ضعفا على ضعفه و يجعله ريشة في مهب الريح . خاصة إذا كان المعني بالأمر لا يستمد قوته من ثقته بذاته الآدمية أي من ثقته بالله ولكن من ثقتة بنفسه و من إنتمائه لتنظيم لا أخاله يرضى على أن يواصل أغلبية الضالعين فيه ممارسة عمالة مفضوحة تجعلهم من المتآمرين على من استثيقوهم يوما بتصديقهم بأنهم يخافون الله و هم في الواقع عنه معرضون.
Répondre